أبو ظبي قبلت بأقل مما رفضته الرباط.. ابن زايد يعلن التطبيع مع إسرائيل بعدما كانت أعين نتنياهو على المغرب
في 2018 سرب موقع ويكيليكس وثيقة يعود تاريخها لـ24 يناير 2007، كانت عبارة عن تقرير حول لقاء ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان بمساعد وزير الخارجية الأمريكي حينها نيكولاس بينس، تحدث فيها الطرفان عن تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وخلال هذا الاجتماع عبر الرجل الذي يوصف بأنه الحاكم الفعلي للإمارات العربية المتحدة عن تخوفه من إعلان رغبته في التطبيع أمام الإماراتيين، وجاء في الوثيقة أنه قال "لو علم الإماراتيون بما أفعل لرجموني بالحجارة".
ويبدو أن سلسلة اتصالات ولقاءات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خَلصت ابن زايد من مخاوفه ليعلن أمس الخميس عن "تدشين تعاون مشترك" مع إسرائيل وصولا إلى "علاقات ثنائية"، مشيرا إلى أن المقابل كان هو "وقف ضم الأراضي الفلسطينية" الأمر الذي عجل نتنياهو بنفيه.
وأصبحت الإمارات بهذه الخطوة، أول بلد عربي ينجح الرئيس الأمريكي الحالي، المقبل هذه السنة على انتخابات تهدد استمراره في منصبه، في إقناعه بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك تبادل السفراء وتوقيع اتفاقيات أمنية وإطلاق رحلات جوية بينهما، وهي "الهدية" الذي سبق أن رفضت دول أخرى أن تكون تقدمها لترامب ونتنياهو، وفي مقدمتها المغرب، البلد الذي كان "العرض" المقدم له أكثر إغراء وشمل حل أكبر مشاكله، ويتعلق الأمر بقضية الصحراء.
عروض على الطاولة
منذ أن وصل ترامب إلى الرئاسة كان واضحا أن تحويل كامل القدس إلى عاصمة لإسرائيل وضم أراضي الضفة الغربية ودفع الدول العربية إلى بناء علاقات علنية مع الدولة العبرية، تأتي في مقدمة أهدافه في الشرق الأوسط، وكانت الإمارات الدولة الأكثر تماشيا مع طرح التطبيع، فيما كانت عين نتنياهو دائما على المغرب اعتبارا للعدد الكبير من اليهود من ذوي الأصول المغربية الذين يعيشون في إسرائيل.
واتضحت هذه الرغبة من خلال عدة محطات، من بينها دعوة المملكة لتوقيع "اتفاقية عدم اعتداء" مع إسرائيل إلى جانب دول الخليج، والتي قالت القناة الـ13 الإسرائيلية في دجنبر الماضي إن نائبة مستشار الأمن القومي الأمريكي عرضتها على سفير الرباط في واشنطن، تزامنا مع عرضها أيضا على سفراء أبو ظبي ومسقط والمنامة، وهو العرض الذي لم يصدر أي تفاعل رسمي معلن معه من الجانب المغربي.
وفي فبراير من هذا العام كشف موقع "أكسيوس" الأمريكي تفاصيل "صفقة" إسرائيلية مُغرية كان يُعدها نتنياهو الغارق وقتها في اتهامات بالفساد وفي صراع انتخابي مع بيني غانتس زعيم تحالف "أزرق أبيض"، تتمحور حول إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتراف بمغربية الصحراء مقابل قبول المملكة بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل وفتح قنصلية لها في إحدى مدن الأقاليم الجنوبية، وهو الأمر الذي لم تعلق عليه الرباط بشكل رسمي، قبل أن تُقبر الفكرة تماما.
محاولة على أعتاب القصر
وبلغت المحاولات الإسرائيلية الأمريكية لدفع المغرب إلى القبول بفكرة التطبيع ذروتها في دجنبر من العام الماضي، حين ألغى الملك محمد السادس لقاءا مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال زيارة هذا الأخير للرباط، بسبب إصراره على طرح موضوع استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي وتوقيع اتفاقية عدم الاعتداء وكذا الاعتراف بالخطة الأمريكية للسلام المعروفة بـ"صفقة القرن".
وكشفت بعدها القناة الإسرائيلية الـ12 أن بومبيو حاول جلب نتنياهو معه إلى الرباط بعد لقائهما في البرتغال، لكن هذه الخطوة لقيت رفضا من الملك محمد السادس، الأمر الذي حَوّل الزيارة إلى لقاء خاطف جمع وزير الخارجية الأمريكي مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني ووزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة، وكذا المدير العام للأمن الوطني وللإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني عبد اللطيف الحموشي.
تطبيع بوعد "مكذوب"
ومقارنة بـ"الصفقات" التي عرضت على المغرب و"الاغراءات" الاقتصادية التي كان يممكن للملكة أن تجنيها من تطبيع العلاقات مع دولة يعيش بها أكثر من مليون شخص يهودي من أصل مغربي، يبدو أن ما عُرض على الإمارات كان أقل بكثير، فوفق بنود الاتفاق الذي أعلنه ترامب عبر "تويتر" سيُسمح للمسلمين بالوصول إلى المسجد الأقصى من خلال رحلات تربط بين بين أبو ظبي وتل أبيب، إلى جانب توقيع اتفاقيات ثنائية في مجالات الأمن السياحة والاتصالات والتكنولوجيا، والاستثمار المتبادل في مجالات الطاقة والمياه والرعاية الصحية والثقافة والبيئة.
لكن حديث محمد بن زايد عن وقف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية، في إشارة لمخطط ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، والذي جعله ولي عهد أبو ظبي مقدمة لإعلان التطبيع، عجل نتنياهو نفسه بتكذيبه، حين قال إنه "لم يشطب موضوع ضم الضفة من جدول أعماله"، مبرزا أن الاتفاق كان على "تجميد" هذا المخطط في إطار التفاهم مع الإماراتيين، وأضاف معلقا على موضوع الضم "أنا ملتزم بتعهدي وسأنفذه".
خطوة غير مفاجئة
لكن في جميع الأحوال، يبقى منظور الإمارات لقضية التطبيع مختلفا كثيرا عن المنظور المغربي، فأبو ظبي التي قال ترامب إنها ستوقع "اتفاق سلام" مع إسرائيل في واشنطن في غضون 3 أسابيع كانت منذ سنوات تُمهد للتحول إلى بوابة لـ"تطبيع عربي شامل"، مقابل دعمها في صراعها ضد إيران بمنطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي كشف عنه موقع "أكسيوس" الأمريكي في فبراير الماضي، حين أورد أن اجتماعا سريا ثلاثيا بين مسؤولين إماراتيين وأمريكيين وإسرائيليين عُقد في 17 دجنبر 2019 بالبيت الأبيض لمناقشة هذا الأمر.
وبدأت أبو ظبي عمليا في التمهيد لخطوة التطبيع بشكل تدريجي، خاصة عن طريق إعلامها الداخلي والإعلام العربي الممول من لدنها، الذي صور إعلان ابن زايد أمس على أنه "انتصار للقضية الفلسطينية" و"تصدٍ بطولي لمحاولة ضم الأراضي الفلسطينية"، وقبل ذلك كان يغطي مشاركة فريق للدراجات طواف الإمارات ومشاركة رياضيين إسرائيليين في بطولة للجيدو، باعتبارها أنشطة عادية.
وبلغ التمهيد لهذا التطبيع مستويات متقدمة سياسيا واقتصاديا وأمنيا، ففي أكتوبر من سنة 2018 احتفت الإمارات بزيارة وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية السابقة، ميري ريغيف إلى البلاد وبزيارتها لمسجد الشيخ زايد، فيما تولت شركة أمنية إسرائيلية حكومية منذ 2015 تصنيع وإطلاق نظام عين الصقر للرقابة الشاملة لكامل التراب الإماراتي بما في ذلك الأماكن الاستراتيجية والحساسة، بل حتى خلال جائحة كورونا وقعت شركتان من الإمارات اتفاقية مع شركتين من إسرائيل لـ"مكافحة الفيروس".